وليد المشيرعي
إذا كان حب الوطن جريمة ، فأنا مذنب واستحق الموت .......... وليد المشيرعي
الزيارات
حسابي الشخصي على الفيسبوك
الخميس، 17 أغسطس 2023
صورة خالد اليماني!
الحرب في عيد ميلادها التاسع
وليد المشيرعي
الحوار المتمدن-العدد: 7568 - 2023 / 4 / 1 - 16:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
قبل أيام ابتهجت ثلة من الأشرار بعبور الحرب في اليمن عامها الثامن، المبتهجون ينتسبون إلى الشعب اليمني من حيث التصنيف السكاني فقط لكنهم ليسوا سوى طغمة من اللصوص وقطاع الطرق والمزورين والمحتالين والمهربين وسماسرة السلاح والدماء والمتاجرين بالبشر أحياء وموتى.
هنالك ثقب أسود كبير نستطيع تمييزه بوضوح في مشهد الأحداث والتطورات المتسارعة لواحدة من أشنع الحروب التي شهدها العالم منذ مطلع الالفية (حرب اليمن)، فبينما أصبح أكثر الناس من أبناء هذا الشعب العريق لا يجدون ما يقتاتون به غير الوجع واجترار حقبة الاستقرار التي عاشوها قبل العام الكارثي ٢٠١١ ميلادية، ها نحن نشاهد على الضفة الاخرى قلة قليلة من الأشخاص من كل الأطياف وفرقاء الصراع تمارس فحشاء المال والاعمال غير المشروعة بلا رقيب أو حتى شهيد لترتع آمنة مطمئنة في خيرات البلد كأنها المالك الحصري الوحيد لها ولمن ينتجونها أيضاً !
أمام هذا الثقب الذي يلتهم ارواحنا قبل مقدراتنا ومستقبلنا قبل حاضرنا صرنا مخيرين بين الاستسلام والخضوع لإرادة من يديرون الصراع وبالتالي البقاء على ارض لا مكان فيها للعيش وبين الهروب والهجرة بحثاً عن موطن آخر نحط فيه جذوراً ضعيفة ربما لاتقوى على تثبيت اجيالنا اللاحقة وتلبية مايحتاجه نمو تلك الأجيال هذا إذا كتب لها أن ترى النور أصلا .
متى يعود السلام الى بلادي؟
سؤال مشروع نطرحه بإلحاح على مسامع الدنيا ومتأكدون انه يصل الى مسامع هؤلاء أيضاً لكن الإجابة لم ولا تأتينا من أفواههم بل من تفاقم سلوكهم الإجرامي وتعاظمه يوماً بعد آخر، كأنهم يقولون هذه حياتنا وقدرنا أن نبقى كابوساً في حياتكم وسرطاناً يلتهم الأخضر واليابس من أموالكم.. وفي هذا فقط هم غير كاذبين فإذا ما أوقفوا الحرب سيموتون اختناقاً وكدراً وهماً حين تتوقف مصالحهم ويعودون مجبرين على الالتزام ولو بأقل القليل من القانون والشرف والمسئولية أو لنقل ببعض المنطق الذي داسوا عليه بالأقدام والجرائم المتسلسلة.
هل ينقرض اليمنيون؟
سؤال آخر ينبثق من رحم السؤال/ الثقب، في واقع كهذا ربما نقول نعم لكن شيئاً وبصيصاً من الأمل بأن الشعب سيصحو يوماً ويهب لاقتلاع هذه الطغمة الفاسدة وجذورها يمنعنا من التسرع بالحكم والاكتفاء بالانتظار ولا شيء سوى الانتظار.
الأحد، 14 أغسطس 2022
هل الأرض حقّاً "كَرويَّةٌ" و"تَلِفُّ حول نفسها"؟*
وماذا كانت النتيجة ؟
الحوار المتمدن-العدد: 7310 - 2022 / 7 / 15 - 23:37
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
لهم اكثر من ٣٠٠ سنة يشتغلون من أعلى ومن الأسفل وفي كل الاتجاهات، زيفوا كل شيء، وخصوصاً الاقتصاد والفلسفة والأدب والفن والعلوم الطبيعية (الأحافير والآثار والعلوم الكونية) كلها معارف بشرية (نظريات أو تصورات) تقبل النقد والنقض لكنهم فرضوا نظرياتهم كمسلمات، وحينما أخذنا بها لم نعثر على "التقدم" المنشود بل وجدنا أنفسنا ننسلخ عن عقلنا الإنساني المتحرر الطامح إلى الارتقاء بروحه نحو الرشد والعيش الهانئ.. ثم ماذا؟
خارج ذلك "العقل" انغمسنا في صراع بائس مع الأفكار المتناقضة والعدمية التي أثارت بيننا من الاختلاف الكثير والكثير فكان من السهل اختراقنا والتسلط على مسارات التعليم والاقتصاد في بلداننا وبالتالي بقاؤنا تحت ربقة الضعف والاحتياج للآخر والذي لم ننل منه غير الدمار وأشكال الخراب.
ورغم كل أجراس الخطر ظللنا متمسكين بمسلماتهم تلك، بل وبنينا عليها أسس تعاملنا مع مخزوننا الحضاري المتنوع والثري بخبرات انسانية ملهمة فتعاملنا معه كأنه تركة ثقيلة من التخلف والشعوذة ينبغي التخلص منها ورميها في أقرب دكان خردوات!
-المثقف المعاصر- .. الشاهد والشهيد
المحور: الادب والفن
(وإني وإن كنت الأخير زمانه
لآت بما لم تستطعه الأوائل)
"أبو العلاء المعري"
شكراً أبا العلاء المعرّي لبلاغتك وإبداعك في مدح نفسك وإجلاء قدراتك التي لم يختلف عليها اثنان لكنها لم تنجح في دمجك مع زمانك ومحيطك السياسي والاجتماعي الفاسد (أواخر الدولة العباسية) فآثرت النكوص ضريراً جريح الفؤاد إلى محبسك الجغرافي (معرة النعمان) وصرت رهين المحبسين فعلاً لا قولاً.
زمن أبو العلاء غير زماننا ورغم ذلك تتشابه المعاناة لدى كل المبتلين بحرفة الكتابة وصنعة الأدب والإبداع تماماً مثلما عمهم أبو العلاء.
عصور الانحطاط تنجب مثل هذه المعاناة وما أشبه الليلة بالبارحة، أما عصور الازدهار فهي التي يدين لها البشر بكل جميل ورائع في ذاكرتهم الجمعية وفي كل شئون حياتهم المادية والروحية والاجتماعية والثقافية.
من هذا التلميح البسيط ما هو تقييمك لعصرنا الحالي وهل يمكن اعتبار التطور العلمي والصناعي الهائل الحاصل فيه ازدهاراً؟
الإجابة البسيطة هي (لا).. أما الأكثر تعقيداً فهي نعم ! بعيداً عن التعقيد الناشئ عن نفاق السلطة وظروف المكان والمعيشة ستصرخ كل ذراتنا أنَّ (لا) هي الإجابة الطبيعية والمنطقية على السؤال..
ببساطة لقد انتعشت الاختراعات والاكتشافات ووسائل الترفيه لكن قدراتنا على الاستمتاع بكل هذه البهرجة انخفضت إلى حدها الأدنى حتى تحولت مظاهر التمدن إلى مجرد قيود ذهبية لها بريقها وثمنها لكن لها أيضاً ثقلها المكبل لحرية الانسان وطموحه في تحقيق ذاته أو مجرد العثور على نفسه.
نعم وسط هذا الحشد من المطالب صارت الرفاهية احتياجاً وفقدت معناها الذي كان فأنت حين تمتطي سيارتك المريحة لا تلمس فيها زهو الفارس بمهرته بل ترمي على كرسيها ظهرك الذي قصمته أقساط ثمنها المبالغ فيه.
وحينما تدلف إلى شقتك لا تجد الأمان الذي كنت تنشده بل ينتابك القلق حول الإيجار الذي يبلغ ضعف راتبك.
وحتى لو كنت غنياً وامتلكت الرفاه ستبقى أسير كوابيس الفقر وتغيّر الحال في عالم لا أمان فيه من غوائل الأزمات الاقتصادية المتتالية والتضخم النقدي المتسارع الذي ابتلع كل شيء حتى أخلاق البشر وآدميتهم.
نعم لم يعد هذا زمان الطمأنينة الباعثة على الابداع والتمتع به ولكي تحقق سعادتك لا جدوى أن تبدع بقدر ما أنت مطالب بلفت الأنظار وشد الانتباه وإضفاء المزيد من مظاهر السقوط على المشهد الساقط أصلاً من تاريخ حضارة الإنسان.
من يكسب ومن يخسر في هذا المشهد الذي يذكرنا باللوحة الشهيرة (البائع نقداً- البائع ديناً) التي كثيراً ماكان يعلقها أصحاب الدكاكين والحلاقين في ما مضى؟!
البائع نقداً أي الرابح صار كل تافه أو غير ذي معنى يحصد آلاف اللايكات هكذا وبلا مناسبة وبلا سبب مبرر لشهرته على وسائل الاتصال الاجتماعي..
أما البائع ديناً أي الخاسر فهو كل من يتوخى القيمة في المحتوى الذي يقدمه وكل من يحاول خدمة الآخرين وإيصال رسالة راقية إلى عقولهم تساهم في تنويرها وتنمية الروح الإيجابية لديهم لا تخديرهم وسرقة وقتهم وإغراقهم في عواصف الردود والتعليقات ومقاطع الفيديو المليئة بالإسفاف والعنف وقلة الأدب والذوق الهابط.
الحضارة تبنيها المجتمعات وليس الحكومات هذا قانون إنساني منذ الأزل وعندما يعجز المجتمع عن إعلاء المبدعين والمثقفين وأهل الرأي والمشورة وتمكينهم من حقهم وفرصتهم في التميز وحثهم على العطاء فإنه من المستحيل أن يبني حضارة مهما فعلت "الحكومة" التي تتولى إدارة هذا المجتمع..
فما بالك وإجراءات الحكومات في زماننا هذا تسعى نحو هدم كل شيء يميز ثقافتنا وحضارتنا في مجاملة ومحاباة مفضوحة للقوى الليبرالية العالمية التي أعلنت بوضوح أن هدفها النهائي هو دمج الشعوب في عالم "القرية الكونية" بتدمير الهويات القومية والدينية والوطنية أولاً ثم بإلغاء كل ضوابط السلوك الإنساني وفتح الباب بإسم الحرية أمام غثاء "الخوارزميات" الذي يجثم على عقولنا وصدورنا حتى بتنا غير قادرين على مجرد التقاط الأنفاس والالتفات إلى مشاكلنا الحقيقية لتظل بلا حسم ولا حلول سيوفاً مصلتة على رقابنا.
ربما تكون هذه خاتمة الحضارة الانسانية أن تموت سحقاً تحت رحى "النظام العالمي الجديد" ليتسيد المشهد رجال البنوك وأباطرة الرأسمالية الدولية وهو ما يحدث الآن فعلاً على مستوى العالم، وها هي الحرب الروسية الأوكرانية ترسم تفاصيل المشهد الأخير من هذا الصراع الذي بات شبه محسوم للنموذج الليبرالي الرأسمالي الغربي والنظام الدولي الجديد فلا أقطاب ولا قطبية ومن يملك المصارف وشبكة النت سيبتلع العالم ويفعل بالبشرية ما يشاء.
لن أتوغل في نقاش عقيم عن نظرية المؤامرة، فقد ثبت أنها واقع معاش على جميع الأصعدة ومن ينكرها فبلسانه فقط خدمة لمصلحة وقتية أو خوفاً من الاتهام بالتخلف والتطرف والإرهاب!
فقط يهمني أن أذكر بأن نسبة البشر المفكرين وذوي العقول المتحررة ثابتة في كل جيل وعلى مدى ألاف السنين مرت المجتمعات بفترات نهوض برز فيها دور النخبة المثقفة والمستنيرة وكانت لهم الكلمة الأولى والأخيرة في صناعة أوجه الحياة وتسيير دفة التقدم العلمي والثقافي، أما فترات الانكسار والهزيمة والانحطاط فقد صعد فيها كل تافه لا قيمة له مستنداً إلى نفوذ المال أو القوة المادية (وهو ما يحدث الآن على السوشيال ميديا التي يتم التلاعب بخوارزمياتها لمصلحة الابتذال ولا شيء غير الابتذال والتسطيح وتزوير الوعي)..
بين النهوض والانكسار يتباين دور المثقف والمبدع فبينما هو فاعل في الأولى وقائد فإنه في الأخيرة ضحية وشهيد وشاهد على عصره وما جرى فيه من فصول الانحطاط..
وكما سجل أبو العلاء المعري شهادته على عصره المنحط والمنكسر فليس أمام المثقف المعاصر إلا أن يدون شهادته على عصرنا هذا بكل حذافيرها في أي هيئة يشاء شعراً أو نثراً أو سرداً أو موسيقى وفنون فذلك أقل الاعتذار عن فشله في إصلاح محيطه وتحقيق رسالته التي خلق من أجلها.
التاريخ لا ينسى ولا يمحى ومهما نجحت مفاعلات النظام العالمي في مسعاها لجرف تيار الفكر والوعي الانساني بتيار التفاهة والانحلال المادي الحيواني سيبقى هناك شهود وشهادات خالدة ستروي لا محالة بذور الوعي القادمة لإنسانية جديدة وحضارة راقية الروح.. فكونوا شهوداً صادقين حتى لا يمحوكم التاريخ.
الدولة وصحيفة الثورة..عودة الروح
المحور: الصحافة والاعلام
بعد ٢٥ عاماً في بلاط صاحبة الجلالة، وتحديداً في صحيفة "الثورة"، لسان حال الدولة اليمنية، منذ قيام الثورة السبتمبرية الخالدة، عام ١٩٦٢م.
يحق لي أن اتفلسف، وأصدر الكثير من الكتب، عن مغامراتي الصحفية، مكتفياً منها بالبطولات، متغاضياً عن النكسات، مبرزاً أمجادي، ومخفياً لحظات الانهزام والانكسار.يحق لي بعد هذا العمر، أن أمجد من أخذ بيدي، أو قدم شيئاً -ولو يسيراً- لمسيرتي المهنية، وأن أسفّه كل من اعترضني أو حاول إعاقتي يوما.
نعم.. يحق لي الكثير، والكثير، فقد قدمت فوق طاقتي، وبمقابل زهيد، رغم العيون الحاسدة، والناقمة، ثم خرجت من كل هذا المشوار بموقع الكتروني صرف عليه ما تيسر مما يجود به الداعمون!
كل هذا يحق لي لكن … آخ من لكن، أنا الآن كصحفي رسمي سابق لم يعد لي الحق في شيء، فقد تبددت كل الخطوط، والفواصل، والقيم المهنية، التي رسمناها نحن صحفيو الإعلام الرسمي، على مدى جيلين في ستين عاماً، هي عمر الدولة اليمنية الحديثة، التي ما تبقى منها من رمز غير "مجلس القيادة الرئاسي".
نعم هذا هو الواقع المرير فمنذ اللحظة الاولى للانقلاب الحوثي الذي عصف بالدولة واستولى على مؤسساتها انتهى كل شيء في أفق الاعلام الرسمي اليمني المهني المحترم حتى صحيفة الثورة الرسمية التي هي قلعة هذا الإعلام ورمزه الأعلى تحولت الى "زومبي" بغيض غير شرعي يشارك في تأليه الصنم الحوثي الذي طغى في البلاد.
اليوم وأمام كل هذا، لا أجد لنفسي الحق في شيء، إلا الاختيار بين أمرين: إما أن أموت كمداً على مامضى، وخسرناه، وباتت استعادته حلماً أشبه بالمستحيل، أو أن استعيد شيئاً من الأمل، في حياة جديدة، تحت راية الإعلام المؤسسي، الذي يحترم نفسه، ووطنه، وشعبه، وثورته، ويعمل على تعميق صلات الوصل بين الشعب وقيادته الشرعية، وتعزيز الثقة بينهما، بنقل الحقائق وتوضيحها للناس، من مصدر موثوق، يعكس توجه الدولة، ومسئوليتها عن مواطنيها.
أعتقد أنني سأختار الحياة منتظراً عودة هذا الإعلام المؤسسي الرسمي الذي افتقدناه على مدى سبع سنوات من التشظي بين المنابر الإعلامية غير المسئولة، والتي تعبر فقط عن رؤى محرريها وتوجهاتهم وميولهم الحزبية بعيداً عن رؤية الدولة وقيادتها الشرعية.
كما أعتقد أيضاً أن الأمل لازال قائماً في مثل هذه العودة المنتظرة لصحيفة "الثورة" الرسمية كلسان حال لمجلس القيادة الرئاسي الرمز الأوحد للدولة اليمنية الحديثة .. طالما أن على رأس هذا المجلس الموقر رجل كاللواء الدكتور رشاد العليمي، فهو رجل يعي ويدرك تماماً أن لا دولة بلا صحيفة "الثورة" وأن مدوني التاريخ يعتمدون فقط الصحف والإصدارات الرسمية كمرجعية وما دونها فهو مشكوك فيه وغير معتمد.
المهم هنا هي النية وطالما صلحت النية فإن حسن الاختيار للقيادة الجديدة للثورة مطلوب وينبغي أن يكون الإخلاص لقضيتنا ضد الحوثي هو أساس الاختيار أما أصحاب المواقف الغامضة والكائنات الهلامية التي عششت في خرائب الإعلام الرسمي طوال سبع سنوات كأنها طحالب أو خشب مسندة أو أعشاش عنكبوت فآلشرعية والوطن في غنى عنها ..
والله المستعان .
في نعي - صاحبة الجلالة - !
بقلم /وليد المشيرعي
الحوار المتمدن-العدد: 7239 - 2022 / 5 / 5 - 18:40
المحور: الصحافة والاعلام
بالأمس كان اليوم العالمي لحرية الصحافة..
هل نبكي على اندثار مهنة كانت حتى الأمس القريب عصب الحراك الإنساني، والموثق الرصين لمجريات ذلك الحراك؟ أم نمارس جلد الذات، وتبكيت النفس على زمن جميل تنازلنا عنه أمام سطوة شبكات التواصل الاجتماعي التي قتلت معنى "الخبر" وأصبح الحابل مختلطاً بالنابل، من حيث الحرية شبه المطلقة في نقل ما يجري، وما لا يجري بين البشر؟
ثم لماذا الإصرار على إبقاء مهنة الصحافة شبحاً يكافح للعودة إلى الحياة بينما هناك بدائل لتخليق آلة جديدة أكثر حضارية لتشكيل الوعي الإنساني وفق هيكلية موثوقة لا يأتيها باطل التزوير والخداع من أي اتجاه؟
وهل بإمكان البشرية أن تواصل تقدمها في مجاهل الحياة دون ضمير يحاسبها ودون مسرح مكشوف تتعرى فيه الحقائق وتتكشف الأسرار كالذي كان متوفراً في بلاط صاحبة الجلالة؟
مهنة المتاعب التي عاقرت خمرتها واكتويت بنارها على مدى ثلاثين عاماً من عمري أجدها اليوم شبه نافقة بينما يتجاهل المسئولون عنها أوجاع رحيلها إلى عالم النسيان بالتشبث بوسيلة نشر روابط الصحف من خلال شبكات التواصل بينما هي القاتل المعروف لواحدة من أهم المهن التي شكلت وعي الإنسان المعاصر خلال القرون الأخيرة.
وأجد على الجانب الآخر ؛زعماء؛ التواصل الاجتماعي الذين اخترقوا خوارزميات الشهرة وصاروا هم منابع "الحكمة" والأحق بالاتباع في سلوكياتهم وأفكارهم بل وفي حياتهم العاطفية والجنسية.
بون شاسع بين زمنين: زمن القيمة، والاقناع، ولفت الانتباه بالفكرة اللامعة والعرض اللائق، وزمن التفاهة واللااقتناع، وسرقة الاهتمام بمخاطبة الغرائز والشهوات الحيوانية.
زمن البحث عن مؤمنين بالفكرة ومناصرين لها وزمن جمع التفاعلات والمؤيدين!
لقد صار لاعبو الكرة يتولون إرشادنا إلى طرق تربية الأبناء، وممثلو الكوميديا يشرفون على ثقافتنا السياسية والصحية أيضاً، أما مدمنو الفيديو جيم العاطلون عن العمل فقد باتوا هم يوجهون أبناءنا الى "سبيل الرشاد "!
ألا هل أدلكم على "تجارة" تعينكم على تدمير عقولكم ومحاربة ملل الحياة المعاصرة التي باتت تلسع ظهورنا بمطالبها غير ذات المعنى من قشور لا تقيم أوداً ولا ترفع شأناً بل تثقل روح الإنسان وتملأ دفتر ديونه أبو (٢٠٠ ورقة)؟!
إنها شبكات التواصل الاجتماعي التي تهددنا بمزيد من قتل الخصوصية التي هي أساس إنسانية الإنسان وورقة التوت الأخيرة التي تحفظ له آدميته من تغول عيون الأخرين وتدخلهم في أدق شئونه..
مجبرون عليها ولسنا أبطالاً فقد أوجدت ضرورتها في حياتنا لكونها صارت المتنفس الوحيد لنا وهمزة الوصل المتاحة بيسر وسهولة للتواصل الإنساني.
صوتاً وصورة وكتابة وتعبيراً حراً.
لقد كان "التلفاز" ثورة في مجال الإعلام لكن هذه الثورة لم تنجح في زحزحة الصحافة عن عرشها بل زادت الحاجة إليها وتسريع إصداراتها لمواكبة السرعة التي بات يتم بها نقل الأحداث صوتاً وصورة بل وأصبحت شاشات الفضائيات ساحات لترويج الصحافة ومساعداً لها في ترسيخ مكانتها كوسيلة بناء للوعي سواء كان سلبياً او إيجابياً.
اعذروني إن كنت أفرطت في التعصب لمهنتي رغم ما يقال أنها أداة لخداع الجماهير لكن الصحافة حتى في أسوأ أدوارها لا تضاهي التدمير الذي تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي من كون الأولى يمكن ضبط معاييرها وإصلاح وتصحيح مساراتها أما الأخرى فالناس فيها كقطيع من الخرفان يقودها أي راع مستأجر بكل سلاسة وهدوء.
أخيراً ماذا أقول كصحفي سابق بات يبحث عن مهنة اخرى شريفة تتيح له العيش بكرامة؟
أقول: لا تربوا أولادكم كما رباكم آباؤكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم.