آخر الأخبار

الزيارات

حسابي الشخصي على الفيسبوك

الأحد، 14 أغسطس 2022

هل الأرض حقّاً "كَرويَّةٌ" و"تَلِفُّ حول نفسها"؟*






عشرات المليارات من الدولارات، يقال أنها تنفق سنوياً على برامج استكشاف "الفضاء الخارجي" من قبل وكالات بحثية محدودة تحتكر هذا النوع من المعارف، وهي المرجعية الوحيدة التي تتحكم في مجرياته وتطويره، وهي من تعلن وتنشر نتاجه للجمهور، في هيئة حقائق لا تقبل الشك أو حتى مجرد النقاش.
كل يوم نصحو على كشف جديد، يمتد إلى مسافات شاسعة، في كون "لانهائي" "معتم" و "بارد" ومزدحم بالمجرات والنجوم والكواكب، وبما "يقنعنا" أننا وأرضنا "الكروية" مجرد شيءٍ تافه لا قيمة له، وأن هناك "بالتأكيد" حيوات أخرى خلافنا تعيش في هذا الكون.
هكذا ترسخ في ذهننا شكل الكون، كما ترسمه مراكز الفلك والأبحاث الغربية منذ أكثر من ٢٠٠ عام، لم نفكر يوماً أن نطرح سؤالاً منطقياً يتجاوز حدود المؤثرات المصطنعة التي تحاول تقريب الشكل المكتشف للكون إلى أذهاننا، ومن ثم ترجمة قياساته "المفترضة" إلى صور ونماذج مجسمة، وبالألوان أيضاً.
من هنا، وفي عالم مادي لا يتحرك فيه المال وملاك المال إلا نحو جني "الربح"، وتحقيق "الطموحات" المادية، فإن السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه لابد أن يطال حقيقة الجدوى من كل ذلك، ولماذا تهتم القوى الحاكمة للعالم ومؤسساتها المالية بهذا المجال، بل وتنفق عليه غدق الأموال (بحسب الاخبار طبعاً)، فيما أنه غير مربح وكل المخرجات والمدخلات تجمع على أن مجمل هذا النتاج ليس علماً مؤكداً مشفوعاً بالتجربة والبرهان، كما هو حاصل في علوم الكيمياء والفيزياء والطب والأحياء، بل مجرد أكوام من الافتراضات والقياسات، بعضها مبني على بعضها الآخر، ويقوم بها جماعة محددة ممن يسمون "علماء"، وهم يا للعجب لا تثور بينهم خلافات من أي نوع، وكل من يخرج ولو قليلاً عن "علمهم"، يتم خنقه وحرمانه من ألقابه الاكاديمية (وقائع موثقة لهذا القمع حصلت للعديد من الباحثين والاكاديميين، في دول تدعي أنها ديموقراطية، وتحترم الرأي المخالف).
يرسلون عناوين وخلاصة أبحاثهم إلى ماكينة الإعلام الدولية التي تتلقفها، وتعممها في هيئة أخبار تنضح بالفتوحات "العلمية"، مرفق بها صور ومقاطع "فيديو"، تم انتاجها بالألوان، من خلال الكمبيوتر (باعتراف الوكالات البحثية نفسها وفي مقدمتها ناسا!) مع التماس العذر بأن الاشعاعات تحت الحمراء والمغناطيسية وإكس وغيرها، الصادرة من الأجرام السماوية، لا تدركها حواس بني البشر، لكن "اجهزة القياس" والحواسيب التي صنعها البشر أنفسهم، وحدها التي بمقدورها استيعاب ما يأتي من الفضاء وتحديد المسافات والأعمار وماضي الكون ومستقبله!
لغة القياس هنا قائمة على عملية معقدة، كما يزعمون، لا يمكن لأحد من الباحثين العاديين أن يدرسها، وليس للمراكز المستقلة في العالم أن تطلع على "اسرارها التكنولوجية البالغة الدقة" لكونها بطبيعة الحال (ترفٌ لا يلائم الشعوب الفقيرة).
بالإمكان طرح السؤال بطريقة أخرى:
لماذا يجهدون ميزانياتهم بهذا الأمر غير المجدي اقتصادياً (إلا إذا افترضنا أنه بالإمكان استكشاف المعادن من المريخ وغيره من الكواكب واستيرادها إلى الارض عبر سنوات من الرحيل في فضاء معتم بارد يتمدد، تتخلله النيازك والكويكبات الشاردة، والاشعة الكونية القاتلة، حسب زعمهم هم أنفسهم)؟
قبل أن تجهد نفسك بالبحث في جوجل عن إجابة لهذه التساؤلات، سأخبرك بما سيواجهك خلال البحث عن أمر كهذا، ستقفز أمامك على شاشة الحاسوب مئات الصفحات والحسابات التي تنقل، تنقل فقط ،أخبار ناسا المجملة، وقوانينها "غير القابلة للشك"، ومعها صفحات أخرى توظف "الاكتشافات"، وتروجها في سياق توجهاتها الأيديولوجية والسياسية.
تلك الصفحات نوعان، الأول يهلل ويصفق ويعلن موت "الله"، وأن الكون قد كشف كل أسراره للإنسان، واتضحت حقيقته بأنه كون "مادي" لا نهاية له، وبناءً على هذه الحقيقة المزعومة فلا مكان إذن لـ "خالق" ولا مجال لإثبات وجوده،
فالمادة لا تفنى ولا تستحدث، وما وراء الطبيعة (ميتافيزيقا)، هي مجرد أوهام اصطنعها البشر، لتغطية عجزهم العلمي، ورغبتهم الفطرية في الاعتماد على مصدر قوة خفي، يلتجئون إليه لحمايتهم من مخاطر الطبيعة، ولذلك قاموا بـ"اختراع" ديانات وأديان، تمكنهم من تركيع واستغلال واستعباد بعضهم البعض!
أما النوع الثاني، فهم المسبحون بحمد الخالق من زاوية ترفض التفكير، أو حتى النظر، في حقيقة المعلومة المقدمة لهم من قبل ما يسمى "علماء الفضاء"، فنراهم يعتسفون الآيات القرآنية وغيرها من النصوص المقدسة لإثبات أن هذه الاكتشافات قد أشير إليها في تلك النصوص، على طريقة (والارض بعد ذلك دحاها) لإثبات أن القرآن قد قال بكروية الأرض أو (والشمس تجدي إلى مستقر لها ) كإشارة لدوران الشمس حول نفسها، فضلاً عن دورانها حول مركز (مجرة درب التبانة ) التي بدورها تسير في الفضاء بسرعة هائلة !
فكان أن صارت تلك النصوص حقلاً للتأويل والتطويع، وبلغ التمادي في هذا الأمر ذروته، بانتشار نوع جديد من الأبحاث، تحت مسمى "الإعجاز العلمي في القرآن"، ورأينا أمثال زغلول النجار ومصطفى محمود وغيرهم ممن أثروا هذا المجال ولا نفترض فيهم غير حسن النية.
بالمحصلة، فقدت تلك النصوص هالة "القداسة" لدى القراء والمهتمين، وضعف دورها في حماية "العقل" الفردي والمجتمعي من الاختراق، وبما جعل من السهل للقوى الحاكمة إعادة تشكيل الوعي الإنساني، بما يتوافق ومصالحها ومخططاتها في بناء عالم "القرية الكونية"، أو ما بات الآن يطرح صراحة في وسائل الاعلام "النظام العالمي للتنمية المستدامة"، وهذا شأن آخر سأتناوله في موضوع قادم بإذن الله.
بين هذين الفريقين، تثور الصراعات، وتتبادل الاتهامات، وفي غمرة الضجيج لا تجد دعوة واحدة للتفكير في منطقية ومدى صحة الأخبار عن اكتشافات الكون المذهلة.
ورغم خطورة ما يقدم لنا في هيئة "اكتشافات علمية"، ومساسها بثوابت الوعي والعقل، فإننا لا نسمع أحداً يتساءل عن حقيقتها ومدى صحتها، ولِمَاذا التساؤل أصلاً، أوليس من ينقلها وكالات أنباء عالمية، ومن يصدرها هم "علماء" لهم أسماءهم ومكانتهم واحترامهم، لكننا إذا بحثنا في مسيراتهم العملية لن نجد سوى السراب، وألقاب أكاديمية فخمة، لكنها جوفاء، أو العبارة الشهيرة (الحاصل على جائزة نوبل)، هذا فضلاً عن أن الجهات التي تتبناها مؤسسات "علمية" حظيت بالتقديس كما لم يحدث للكنيسة الكاثوليكية في ذروة مجدها !
قليلون جداً، من يضعون أخبار الاكتشافات العلمية موضع الجدل والشك، والسبب كما ذكرنا واضح، فمنذ قيام الثورة الفرنسية اكتسحت العالم لوثة علمية غير منطقية، رهنت العقل البشري لمجموعة من النظريات التي جرى فرضها كمسلمات لا تقبل الشك، واستمر الأمر كذلك عبر أجيال متعاقبة، حتى وجدنا أنفسنا منذ نعومة أظافرنا أمام مجسم "الكرة الأرضية" التي ابتدعها خيال "علماء"، لكنها أبداً لم تثبت بأي دليل عملي قاطع خلال الثلاثة قرون الماضية، وحتى وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" التي أخرجت مسرحية "أبوللو" وادعت أنها أرسلت بشراً إلى سطح القمر وعادوا سالمين، (كما زعمت مؤخراً أنها التقطت صوراً لمركز الكون، حال نشأته الأولى قبل ١٣ مليار سنة!)، عجزت عن تقديم صورة واحدة حقيقية كاملة للأرض "الكرويّة" من الفضاء الخارجي الذي يطلقون فيه عشرات التلسكوبات، لسبر أغوار الكون!
لست أدعي أنني "عالم فضاء"، لكن المنطق ينبغي ألّا يضيع مهما كان المبرر، فالبعرة دائماً تدلّ على البعير، وعندما يكون "البعر" مجرد صور ملونة، مصنوعة بالحاسوب، وأخرى مجسمات تخيلية، لم تثبت دقتها إلا في نظر قلة معدودة من "العلماء" المشبوهين في انتماءاتهم ودوافعهم، ومعهم مؤسسات "دولية" تدعي الريادة و"العلمية"، وتضفى عليها هالات القداسة، بينما تمويلها يقوم على مؤسسات مالية، وأخرى سياسية لا تقدس غير المال والمادة، وتضع البشر في أحط وأرذل درجات الاستعباد والانتهاك والإفقار المتواصل.
فنحن وأمام هذا "البعر" الغث والمشبوه، لا نملك إلا الاعتراف بحقيقة ظلت غائبة عنّا لكنها ما انفكت تؤرقنا طوال قرون، مفادها أننا وقعنا، بدافع احترام "العلم"، في غفلة وغيبوبة طويلة الاًمد، كان من أكبر نتائجها، اختراقنا كنخب مثقفة وكشعوب، وبعد ان تم إقناعنا بأن الأرض كروية و"بتلف"، دون أي دليل قاطع، فقد صار من السهل تشطير وعينا وإقناعنا بالكثير من المسلمات (غير المؤكدة ولا نقول الباطلة)، ثم انخرطنا في صراعات غير منطقية لم تجرّ علينا سوى الشقاء وتمزيق نسيجنا الاجتماعي، كما لم يحدث على مدار التاريخ، الأمر الذي أقصانا عن جني ثمار الثورة الصناعية، وتسارع وتيرة العملية الإنتاجية، وهي الثورة التي ما زادت الأقوياء والأثرياء (الأشرار ) إلا قوةً وثراءً، بينما في جوانبها المظلمة وضعت أغلبية البشر تحت خط الفقر والحاجة، وهذه الأخرى معادلة لا يقبلها عقل ولا منطق.
============
*العنوان مستوحى من مشهد مسرحي ضاحك يلعب فيه الفنان فؤاد المهندس دور مدرس يحاول عبثاً إقناع والد أحد التلاميذ بأن الأرض كروية وتدور حول نفسها وفي ذلك المشهد تتجلى المفارقة بين المنطق وبين ما يتم فرضه من أفكار ونظريات كمسلمات مطلقة.