بقلم /وليد المشيرعي
الحوار المتمدن-العدد: 7239 - 2022 / 5 / 5 - 18:40
المحور: الصحافة والاعلام
بالأمس كان اليوم العالمي لحرية الصحافة..
هل نبكي على اندثار مهنة كانت حتى الأمس القريب عصب الحراك الإنساني، والموثق الرصين لمجريات ذلك الحراك؟ أم نمارس جلد الذات، وتبكيت النفس على زمن جميل تنازلنا عنه أمام سطوة شبكات التواصل الاجتماعي التي قتلت معنى "الخبر" وأصبح الحابل مختلطاً بالنابل، من حيث الحرية شبه المطلقة في نقل ما يجري، وما لا يجري بين البشر؟
ثم لماذا الإصرار على إبقاء مهنة الصحافة شبحاً يكافح للعودة إلى الحياة بينما هناك بدائل لتخليق آلة جديدة أكثر حضارية لتشكيل الوعي الإنساني وفق هيكلية موثوقة لا يأتيها باطل التزوير والخداع من أي اتجاه؟
وهل بإمكان البشرية أن تواصل تقدمها في مجاهل الحياة دون ضمير يحاسبها ودون مسرح مكشوف تتعرى فيه الحقائق وتتكشف الأسرار كالذي كان متوفراً في بلاط صاحبة الجلالة؟
مهنة المتاعب التي عاقرت خمرتها واكتويت بنارها على مدى ثلاثين عاماً من عمري أجدها اليوم شبه نافقة بينما يتجاهل المسئولون عنها أوجاع رحيلها إلى عالم النسيان بالتشبث بوسيلة نشر روابط الصحف من خلال شبكات التواصل بينما هي القاتل المعروف لواحدة من أهم المهن التي شكلت وعي الإنسان المعاصر خلال القرون الأخيرة.
وأجد على الجانب الآخر ؛زعماء؛ التواصل الاجتماعي الذين اخترقوا خوارزميات الشهرة وصاروا هم منابع "الحكمة" والأحق بالاتباع في سلوكياتهم وأفكارهم بل وفي حياتهم العاطفية والجنسية.
بون شاسع بين زمنين: زمن القيمة، والاقناع، ولفت الانتباه بالفكرة اللامعة والعرض اللائق، وزمن التفاهة واللااقتناع، وسرقة الاهتمام بمخاطبة الغرائز والشهوات الحيوانية.
زمن البحث عن مؤمنين بالفكرة ومناصرين لها وزمن جمع التفاعلات والمؤيدين!
لقد صار لاعبو الكرة يتولون إرشادنا إلى طرق تربية الأبناء، وممثلو الكوميديا يشرفون على ثقافتنا السياسية والصحية أيضاً، أما مدمنو الفيديو جيم العاطلون عن العمل فقد باتوا هم يوجهون أبناءنا الى "سبيل الرشاد "!
ألا هل أدلكم على "تجارة" تعينكم على تدمير عقولكم ومحاربة ملل الحياة المعاصرة التي باتت تلسع ظهورنا بمطالبها غير ذات المعنى من قشور لا تقيم أوداً ولا ترفع شأناً بل تثقل روح الإنسان وتملأ دفتر ديونه أبو (٢٠٠ ورقة)؟!
إنها شبكات التواصل الاجتماعي التي تهددنا بمزيد من قتل الخصوصية التي هي أساس إنسانية الإنسان وورقة التوت الأخيرة التي تحفظ له آدميته من تغول عيون الأخرين وتدخلهم في أدق شئونه..
مجبرون عليها ولسنا أبطالاً فقد أوجدت ضرورتها في حياتنا لكونها صارت المتنفس الوحيد لنا وهمزة الوصل المتاحة بيسر وسهولة للتواصل الإنساني.
صوتاً وصورة وكتابة وتعبيراً حراً.
لقد كان "التلفاز" ثورة في مجال الإعلام لكن هذه الثورة لم تنجح في زحزحة الصحافة عن عرشها بل زادت الحاجة إليها وتسريع إصداراتها لمواكبة السرعة التي بات يتم بها نقل الأحداث صوتاً وصورة بل وأصبحت شاشات الفضائيات ساحات لترويج الصحافة ومساعداً لها في ترسيخ مكانتها كوسيلة بناء للوعي سواء كان سلبياً او إيجابياً.
اعذروني إن كنت أفرطت في التعصب لمهنتي رغم ما يقال أنها أداة لخداع الجماهير لكن الصحافة حتى في أسوأ أدوارها لا تضاهي التدمير الذي تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي من كون الأولى يمكن ضبط معاييرها وإصلاح وتصحيح مساراتها أما الأخرى فالناس فيها كقطيع من الخرفان يقودها أي راع مستأجر بكل سلاسة وهدوء.
أخيراً ماذا أقول كصحفي سابق بات يبحث عن مهنة اخرى شريفة تتيح له العيش بكرامة؟
أقول: لا تربوا أولادكم كما رباكم آباؤكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم.